والبعض الآخر صخريّ أو جليديّ. وهناك نجوم تَستضيف أكثر من كوكبٍ واحد، وهناك كواكب تدور حول نجمَيْن يدوران حول بعضهما البعض! وهناك كواكب شاردة تَدور كالشموس بفضل الجَذْب المركزي للمجرّة. وقد تمَّ تأكيد أنّ عددًا قليلًا من الكواكب يتمتّع بشروطِ حضانة الماء على أسطحها، وهو عنصر أساسي للحياة كما نَعرفها.
كيف تُرصَد الكواكب الخارجيّة؟
حتّى اليوم، وبالرّغم من قوّة التلسكوبات الأرضيّة والفضائيّة، لم يتمكّن الفلكيّون من تصوير أيّ كوكبٍ خارجي بصورة مباشرة، نظرًا لبُعدِها وصغرِها النسبيّ وضعف سطوعها مهما كَبرت. شمسُنا مثلًا أكبر من كوكبنا الأرضي بمليون وثلاثمئة ألف مرّة، وهي أكبر من كوكب المُشتري العملاق بألف مرّة! كوكب نبتون العملاق مثلًا يَبعد عنّا قرابة 30 وحدة فلكيّة أو 4 ساعات ضوئيّة فقط، وتستحيل رؤيته إلّا عَبْرَ تلسكوب عظيم القدرة، فكيف بالكواكب البعيدة سنوات ضوئيّة؟ ومن المعروف أنّ أقرب نجْمٍ إلينا غَيْر الشمس يَبعد عنّا 4 سنوات ضوئيّة ونيّف!
إذن كيف نَكتشف تلك العوالِم الخارجيّة البعيدة؟ استشعار وجود تلك الكواكب يَعتمد على مُراقَبة سطوع النجوم المُضيفة وحركتها. فحين يتغيَّر سطوعُ النَّجم المرصود أو تَهتزّ حركتُه، فهذا يَعني وجود كوكب ما يدور حوله. وتُتيح نسبةُ تغيُّر سطوع النَّجم ومدّته وتزامنيّته التعرُّف إلى بعض مواصفات الكوكب الضيف. كما أنّ مُراقَبةَ طيْف النَّجم وتغيُّرَه حين مرور الكوكب الضيف بين النَّجم وبين الراصد الأرضي يُتيح التعرُّف إلى طيْف الغلاف الجوّي للكوكب الضيف إذا وُجِد، وبالتالي دراسة إمكانيّة وجود حياة على ذلك الكوكب ونوعها.
لماذا نَدرس الكواكب الخارجيّة؟
هل نحن وحدنا في الكَون؟ وهل إنّ كوكبَنا الأرض يَنفرد وحده كمَوئلٍ للحياة؟ إنّه أحد أعمق الأسئلة التي يُمكن أن تَطرحها البشريّة. لقد تمَّ اكتشافُ أوّل كوكبٍ خارجي يدور حول نجْمٍ مِثل شمسنا في العام 1995، ثمّ توالَت وتسارَعت وتيرةُ اكتشاف الكواكب الخارجيّة البعيدة.
ولأنّ العديدَ من العُلماء يعتقدون أنّ الحياةَ تضجّ في أمكنةٍ موزَّعة في هذا الكَون الفسيح، أَطلقت وكالةُ الفضاء الأمريكية «ناسا» في العام 1962 برنامجًا بحثيًّا جدّيًّا، أَسمته «سيتي» (SETI: Search for Extra-Terrestrial Intelligence) أي البحث عن حياةٍ ذكيّة خارج كوكب الأرض. يَستخدم هذا البرنامجُ تلسكوباتٍ راديويّة يتمّ نشرُها عَبْر العالَم وتوجيهها نحو نجومٍ بعيدة في محاولةٍ لالتقاط إشارات راديويّة اصطناعيّة المَنشأ. وحتّى اليوم لا تزال النتائج سلبيّة تماماً، ربّما هناك إشارة واحدة التُقطت في العام 1977، سُمّيت «واو»، ويعتريها الشكُّ لأنّ العودة إلى المَوجةِ نفسها لم تَنجح بالتقاطِ أيّ إشارة بَعد ذلك الحين.
وبالرّغم من العدد الكبير للكواكب الخارجيّة المُكتشَفة، لم يُلحظ فيها أيّة إشارة تكنولوجيّة أو أيّ دليلٍ حتميّ على وجود حياة ذكيّة عليها، فإنّ هذا لا يَنفي قيمةَ الاهتمام بالبحث عن حياةٍ وذكاءٍ خارج كوكب الأرض، آخذين في الحسبان كلّ الاعتبارات العلميّة والدّينيّة، بخاصّة أنّ بعض عُلماء الفَلك يُقدّرون عددَ الكواكب في مجرّتنا «درب التبّانة» بحوالي 400 مليار كوكب!
هل الحياة ضربة حظّ؟!
ثمّة مسافة شاسعة بين أن يكون كوكبٌ ما مؤهَّلاً للحياة، وبين الظهور الفعلي للحياة في أرجائه. وكلّ المسابير الفضائيّة التي أُرسلت إلى كواكب المجموعة الشمسيّة منذ سبعينيّات القرن العشرين، لم تَلحظ أيَّ وجودٍ أكيد لمَعالِم الحياة على أيٍّ منها. هناك طُرقٌ أخرى مُعتمَدة علميًّا للبحث عن حياةٍ خارج الأرض تَعتمد على تفحُّص الصخور النيزكيّة التي تَضرب الأرض. وكانت دراسةُ الصخور القمريّة التي أَحضرها روّاد مركبات أبّولو المُتتالية بين العام 1969 والعام 1972 قد أَثبتت أنّ القمرَ جرمٌ ميّت ليس فيه أيّة إشارة إلى أيِّ شكلٍ من أشكال الحياة. لكن ما لبث الأمل أن عادَ إلى احتمال الحياة على كوكب المرّيخ، حين أَعلن عُلماء الناسا في العام 1996 عن اكتشافهم لنيزكٍ مرّيخي في جليد القطب المتجمّد الجنوبي للأرض، يحتوي على كرياتٍ كربونيّة ميكروسكوبيّة شبيهة بآثار البكتيريا على الأرض.
المادّة تُنظِّم ذاتها
غَير أنّ للعالِم الفيزيائي البريطاني بول دايفيس رأيٌ آخر.. يقول: «ما دامت الحياة قد تطوَّرت هنا، على كوكبنا الصغير، فما الذي يَمنع أن تتطوَّر في أمكنةٍ أخرى ولمراحل أكثر تقدّمًا حيث تتوفَّر شروطٌ مشابهة لبيئة الأرض وربّما أكثر مُلاءمة للحياة منها». ويرى دايفيس أنّ الحياة في الأصل لم تكُن معجزةً خارقة ولا حادثةً أتت بالمُصادفة، بل إنّها إحدى الوظائف الحتميّة التي تُترجِم بحثَ بعض المتّحدات الماديّة عن تنظيم نفسها بنفسها. ويرى كذلك أنّ الحياة والوعي هُما صفتان أساسيّتان في الطبيعة، تَنتجان عن القوانين العلميّة في النُّظم الماديّة التي تَصِل إلى مستوىً مُعيّن من التعقيد. مُعادَلةُ درايك
أولى النظريّات مُحاكاةً لعددِ الكواكب الحيّة في مجرّتنا كانت معادلة فرانك درايك (Frank Drake) التي كَتبها في العام 1961 بَعد عقْدٍ من الزمن على «تناقُض فيرمي» وكتاباتِه ونقاشاتِه.
استندتْ هذه المعادلة إلى عددٍ من العناصر: معدّل تشكُّل النجوم في المجرّة، نسبة النجوم التي تَحتضن كواكب في جوارها، ونسبة الكواكب المؤهَّلة للحياة حول النَّجم الواحد، نسبة الكواكب التي تتطوَّر بيئتُها إلى بيئةٍ حيّة بين الكواكب المؤهّلة، نسبة الكواكب الواصلة إلى ذكاءٍ بين الكواكب التي تَستضيف الحياة، نسبة العوالِم التي وَصلتْ بذكائها إلى تطوُّرٍ تكنولوجي يتيح لنا التقاط دلالاته.. وأخيرًا معدّل المدّة الزمنيّة التي أَمكننا خلالها التقاط آثار مثل هذه الحضارة المتطوّرة. المشكلة الرئيسيّة في هذه المُعادَلة هي أنّ معظم عناصرها لا نَعرف عنها شيئًا والتكهُّن بمقاديرها يُمكن أن يكون عشوائيًّا. وقد اشتدَّ الجدالُ حولها وأَصبحت أعْجز من أن تحلّ تناقضاتها الذاتيّة إلى حدٍّ دَفَعَ بمؤسِّس المُعادَلة، فرانك درايك نفسه، إلى أن يَنتقد مُعادلَتَهُ قائلًا: «إنّها لا تَنفع على ما يبدو في حلّ معضلة فيرمي، لكنّها مجرّد طريقة لتنظيم جَهلِنا حول موضوع الحضارات الخارجيّة».
الاعتبارات الدّينيّة
في الفقه الإسلامي، يُمكن الاستدلال على وجود غير أرضيّين، انطلاقًا من كثيرٍ من الآيات القرآنيّة التي تتحدّث عن «سماوات» و«عالَميْن» وليس عن عالَمٍ واحد. لكنّ الفقهاء المُسلمين لم يشغلوا بالَهُم بَعد بالبحث والإجابة عن مثل هذا الموضوع. أمّا اللّاهوت الكنسي، فقد شهدَ جدالًا كبيرًا حول هذا الأمر، وكانت الدفّة تميل مرّةً لمصلحة وجود الحضارات اللّا أرضيّة ومرّاتٍ ضدّه.
وفي القرون الوسطى كان الاعتقادُ أنّ الإنسان وحده مَعنيّ بالاهتمام الإلهي، ولم يُخاطِب الإنجيلُ المقدّس سوى بني البشر كرعيّة وحيدة في الكون، وكان كوكب الأرض مركز الكَون ومحوره الوجودي.
تناقُض فيرمي: «لكنْ أين هي هذه الكائنات؟»
إحدى الحجج التي يَسوقها أصحابُ نظريّة «نحن ولا أحد»، أنّه لو أنّ سيناريو النشوء والارتقاء الذي يَعتمده المُتفائلون استناداً إلى قوانين العِلم والفيزياء صحيح، لكانت مجرّتنا «درب التبّانة» تعجّ بحضاراتٍ أكثر ذكاءً من الأرضيّين وأكثر تطوُّرًا بكثير، نظرًا لعُمر المجرّة، ولكانت إحدى هذه الحضارات تمكَّنت من رصْدِنا واستعمارِنا أو زيارتِنا على الأقلّ. لكنّ مسألةَ زيارة كائنات خارجيّة لكوكبنا لا تزال أمرًا جدليًّا نَحتمله كلّما أَدهشتْنَا بنيةٌ عملاقة من العصور الغابرة مثل أهرام الفراعنة أو آثار المايا والإزتك في المكسيك أو غيرها..
والتساؤل عن الكائنات اللّاأرضيّة وموقعها والدلالة على وجودها أَخذ منحىً جديّاً في خمسينيّات القرن الماضي مع كتابات العالِم الإيطالي أنريكو فيرمي، والمسألة التي عرَضها وقد عُرفت بـ «تناقُض فيرمي»، وهو التناقُض الظاهر بين التقديرات العالية لاحتمال وجود حضارات خارجيّة، وبين غياب الدلالات الحتميّة الملموسة على مثل هذا الوجود. فعُمر الكون الكبير والعدد الهائل للنجوم يَفترض أنّ الحياة لا بدّ من أن تكون سائدة خارج كوكب الأرض، إلّا إذا كان لكوكب الأرض حصريّة استثنائيّة في أمرٍ ما!
أوّل وجوه هذا التناقُض له علاقة باتّساع الكون الهائل وعدد الكواكب المقدَّر في مجرّتنا: درب التبّانة. ومهما خفّضنا من النسبة المئويّة لاحتمال وجود حضارات ذكيّة في المجرّة، سينتج عن حساباتنا عددٌ كبير من مثل هذه الحضارات في مجرّتنا وحدها. لكن أين هي هذه الحضارات؟ أين أطيافها المَوجيّة وأين مَركباتها الزائرة أو المُهاجِمة أو المُستكشِفة؟ لو كانت موجودة لكان يكفيها بين 5 إلى 50 مليون سنة فقط لتستعمِرَ المجرّةَ برمّتها، وهذه فترة قليلة بالمعيار الفلكي الكوني.
خلاصة الموضوع
لم يَجِد عُلماء الفَلك حتّى اليوم أيَّ أثرٍ لحياةٍ ذات قيمةٍ في أيٍّ من كواكب المجموعة الشمسيّة. وكلّ البحوث عن إشارات راديويّة ذكيّة حول النجوم القريبة باءَت بالفشل. وقد باتَ الفلكيّون لا يتوقّعون وجود حضارة مدنيّة متطوّرة ضمن مسافة مئة سنة ضوئيّة حولنا. وللوصول إلى مسافاتٍ أبعد، مع افتراض تطوير صواريخ تستطيع السفر بسرعةٍ خياليّة تَصِل إلى عُشْر سرعة الضوء، فهي تحتاج لألف سنة على الأقلّ. وحتّى الاتّصال الراديويّ مع حضاراتٍ خارجيّة مُفترَضة، على مثل تلك المسافات، سوف تكتنفه فوارق زمنيّة تُقاس بالقرون بين التحيّة وردّ التحيّة! ولذلك فإنّ فكرة التواصُل مع حضاراتٍ خارجيّة – لو وُجِدت – ليست فكرة عَمَليّة البتّة. لذلك فمِن غير المُحتمل النجاح في مخاطبة حضارة فلكيّة ذكيّة قَبْلَ عقودٍ من الزمن.
*ممثّل لبنان في الاتّحاد الفلكيّ الدوليّ
* ينشر بالتزامن مع دورية أفق الصادرة عن مؤسسة الفكر العربي.