 
                 
لا بد أن ترمب شعر بامتنان إزاء «حماس» لأنها راعت التوقيت الذي يناسبه كي يستخدم ردها في ملف ترشيحه، وضغوطه، لنيل «جائزة نوبل للسلام» يوم 10 أكتوبر، وإذا منحت إليه فلن يكون ذلك مجرد عملية تلفيق أخرى في تاريخ الجائزة، بل أكبرها على الإطلاق. وبالنسبة إلى دول العالم، ليس مهماً أن يحصل على الجائزة، بل أن ينتقل إلى الأفعال ولا يكتفي بالقول إنه قدم «خطة جيدة» أو «جميلة» كما يصف كل شيء يصدر عنه. وعليه أن يبدل أسلوبه ومقاربته لقضايا العالم والشرق الأوسط ليصبح ملتزماً فعلاً تحقيق السلام، فحتى الآن تحدث عن غزة بلغة «إسرائيلية»/ استعمارية، إذ قال بعد أيام من عرض خطته «سنحصل على غزة»، مؤكداً عقلية الاستحواذ التي جعلته يكرر سابقاً: «سنتملك غزة».
تطلب الأمر كثيراً من حسن النية والثقة بترمب ونتنياهو للترحيب بخطة «إنهاء الحرب»- أما «حماس» فلم تتبق لها خيارات. جاءت الخطة كرد أمريكي على «التسونامي» الدبلوماسي الذي عزل إسرائيل عالمياً عبر الاعترافات بـ«دولة فلسطين». ومع أن ترمب فرض نفسه رئيساً لـ«مجلس السلام» الذي يطمح إلى حل صراع «عمره 3000 عام» كما ادعى، إلا أنه لم يقدم نفسه كوسيط محايد أو متوازن، بل إن خطابه كان حريصاً على إظهار انحياز متوقع إلى إسرائيل. وبالنظر إلى التجارب السابقة فإن أي مبادرات يقودها أو يشارك فيها وسطاء أمريكيون توظف حتماً لإحباط حقوق الشعب الفلسطيني وطموحاته.
يحاول معظم بنود خطة ترمب إخفاء نية فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية كهدف غير معلن لكن متفق عليه بين ترمب ونتنياهو، فالأول وافق لأن الثاني اشترط الفصل لضمان عدم قيام دولة فلسطينية. لذلك تأخرت الإشارة إلى هذه «الدولة» حتى البند 19 الذي ربط التقدم في إعمار غزة وفي برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية باحتمال توفر «الظروف اللازمة لمسار موثوق نحو تقرير المصير للفلسطينيين وإقامة الدولة الفلسطينية». وفي سابقة «اتفاق أوسلو» (1993) كان يفترض أن تنبثق تلك «الدولة» عام 1999 من التفاوض الثنائي، لكن الإسرائيليين نقضوا الاتفاق بمساعدة الأمريكيين، واتضح أنهم متفاهمون على هدف إستراتيجي أعلنه نتنياهو مراراً: «لن تكون هناك دولة فلسطينية».
أما الهدف الإستراتيجي الآخر الذي تعهده ترمب خلال حملته الانتخابية عام 2024 فهو «توسيع خريطة إسرائيل» الذي كانت الحرب على غزة توشك أن تحققه، لكن خطة ترمب تنص الآن على الآتي: «لن تحتل إسرائيل غزة ولن تضمها» (البند 16)، و«لن يجبر أحد على مغادرة غزة»، فهل أنهى ترمب فعلاً أحلام المتطرفين الإسرائيليين وهل أوقف الشراكات التي أعدت مشاريع للتملك والاستيطان، وهل حقاً «سيعاد إعمار غزة لصالح سكانها؟ أم إن «خطة التنمية الاقتصادية» لإعادة بناء غزة ستتولى عبر «الهيئة الانتقالية الدولية» هندسة مسارات استثمارية لإسرائيل إلى قلب «غزة الجديدة» أو «الواجهة السياحية» كما تصورها صهر ترمب (جاريد كوشنر) في «صفقة القرن» عام 2020 بتواطؤ وإشراف إسرائيليين؟
بعد موافقة «حماس» على خطة ترمب، علق نتنياهو بأنها «قبلت المقترح الذي وضعته إسرائيل». وعلى رغم إبلاغ واشنطن مساء الجمعة برد «حماس» قتل الجيش الإسرائيلي يوم السبت أكثر من سبعين فلسطينياً. وتقول خطة ترمب (البند 1) إن غزة «ستصبح منطقة منزوعة التطرف وخالية من الإرهاب، لا تشكل تهديداً لجيرانها»، لكنها لا تؤكد أن جيرانها الإسرائيليين لن يهددوها. وتعد الخطة بإنشاء مسار لحوار بين الأديان هدفه «تغيير العقليات والسرديات لدى الفلسطينيين والإسرائيليين عبر تأكيد المنافع المترتبة على السلام»، لكن ماذا عن تغيير «العقليات» في الإدارات الأمريكية، وماذا عن تمكين إسرائيل من الإفلات من المحاسبة والعقاب على جرائمها؟
ينشر بالتزامن مع موقع «النهار العربي»