وما بين المبتدأ والمنتهى، يمضي الإنسان في قافلة الأيام، تارةً يعانق نسمات الفرح، وتارةً يتجرع مرارة الحزن، يزرع أزهارًا في بستان قلبه، ثم تمحوها رياح الابتلاء فتترك ندوبًا لا يبرؤها الزمن.
فما المحن إلا مرايا تختبئ خلفها المنح، وما الدموع إلا أنهارًا سرية تسقي جذور الصبر في أعماق الأرواح.
ليس العمر ما تحصيه ساعات الزمان، بل ما تكتبه الروح في ذاكرة الايام “كلمة صادقة تضيء، يد حانية تواسي، أو أثر خالد يظل ينبت بعد أن يذبل الجسد”.
أما القلب فهو نجم الرحلة؛ إن تلألأ بنور الإيمان أضاء الدروب وأورث صاحبه طمأنينة، وإن أُغشي بظلام الهوى أضل صاحبه في متاهات الدنيا ولو غمرته ألوان الزينة.
فلنغزل من أعمارنا خيوط صدق، ولنروِ أيامنا بدموع الرحمة، ولنعلق على جدار الزمان قناديل المحبة، فما العمر إلا ظلٌّ عابر على بوابة الآخرة.
وما أجمل أن يغادر المرء دنياه وقد ترك في الأرواح عطرًا لا يزول، وفي القلوب ذكرى تُتلى، وفي صحائفه عملًا نافعًا يضيء ما بعد الرحيل.
الحياة ليست في طولها، بل في عمقها؛ أن نحيا في الأرواح لا في الأعمار، وأن نُخلَّد في رضوان الله قبل أن يجف القلم ويُطوى كتاب صحائف الأعمال.