ربما لم تتواطأ الشعوب على رواية هذه الحكاية إلا لأنها تحتفظ بذاكرةٍ رمزية مشتركة ترى في الطاقية غطاءً للفكر وتوازنًا بين العقل والسياق، فالرأس هو مركز الفكر والقرار وموضع الأنـا التي تفكر وتختار، ومن ثمّ فكلُّ فعل يضع شيئًا على الرأس فإنه يُذكّر بأنَّ هذا المركز لا يملك السيادةَ المطلقة؛ وهذه رمزية الطاقية عند كثير من الشعوب.
في الحكاية: الفقير خلع الطاقيةَ وأخذ مقابلها الذهبَ والفضة كأنَّه تخلى عن قانونٍ اقتصادي يضبط حركته؛ ليجعل مكانه حريةَ التصرف المطلق فهو قد ذهب إلى بلاده بلا طاقية، لكن إلى أين ستقوده الحرية؟ ستقوده إلى العودة إلى السلطان (السوق) ليأخذ منه الطاقية مرة أخرى مقابل كل استثماراته التي نمَّاها من الذهب والفضة، فالغني الذي ذهب إلى السلطان ما هو إلا الفقير نفسه وهو حر بلا طاقية، وكأنَّ دورة الاقتصاد ستعود به إلى الطاقية مرة أخرى لتوقفه أمام مرآة تحكي له قصة الاقتصاد الذي لا يقبل الحساب الدقيق ويفتقر دومًا إلى طاقية تُخفّف تقلّبات البشر وثقتهم المفرطة في الأرقام.
التفاتة:
أليس ثمة تشابه بين حكايةِ الطاقية والأزمة الاقتصادية العالمية 2008؟ ما دور طاقية الفقير؟ لماذا اضطربت التنبؤات بحدوثِ كارثة 2008، كما اضطربت حسابات الرجلِ الغني في الحكاية؟ هذا السؤالُ الأخير هو ما جعل بعضَ (الكِنزييّن) يفترضون أنَّ الإشكالَ جاء من النظريات التي افترضت عالمًا لا يُشبه العالم الحقيقي، فالنماذج الاقتصادية السائدة -آنذاك- صُوّرت على أنها تجريبية وواقعية، لكنها بُنيت على فرضيات مثالية: أسواق عقلانية ومستثمرون يتصرفون دائما وفقَ المصلحة، ونظام مالي يوازن نفسه ذاتيًا. إلا أنه حين جاءت الأزمة كشفت أنَّ المنظّرين بلا طواقي تقيهم حرارةَ شمس الأزمة. ثمة تشابه بين حكايةِ الطاقية والأزمة الاقتصادية العالمية 2008، ما دور طاقية الفقير؟ لماذا اضطربت التنبؤات بكارثة ، كما اضطربت حسابات الرجلِ الغني في الحكاية؟