فبدلًا من أن يكون المستشار ركيزة فكرية وذراعًا تطويريًا يعتمد عليه في تقديم الرأي المتخصص وصنع القرار، يتحول اللقب في بعض الجهات إلى مجرد عنوانٍ شرفي يمنح لموظف انتهت صلاحيته الإدارية أو أُبعد عن موقعه التنفيذي بطريقة «ناعمة». وهكذا يجد الموظف نفسه في موقع بلا مهام واضحة، وبلا إنجاز ملموس، يتقاضى راتبًا مرتفعًا مقابل حضور شكلي لا يسهم في تحقيق أهداف المؤسسة.
تعود أسباب هذه الممارسة إلى غياب المعايير الدقيقة لتعيين المستشارين، وضعف الرقابة على مخرجاتهم، إضافة إلى العلاقات الشخصية والمجاملات الإدارية التي تتغلب أحيانًا على الكفاءة والعدالة. كما أن بعض الإدارات تلجأ إلى هذا الحل لتجنب الصدام أو الإحراج مع موظفين لهم تاريخ طويل في العمل، فتختار لهم مواقع استشارية شكلية تحفظ لهم حضورًا رمزيًا فقط.
هذه التحويلات العشوائية لا تقتصر آثارها على الجانب المالي، بل تمتد لتضرب روح العدالة والتحفيز داخل بيئة العمل، إذ يشعر الموظفون المنتجون بالظلم حين يرون من يشغل موقعًا استشاريًا بلا مهام حقيقية ويحظى بامتيازات أعلى، بينما يُهمل أصحاب العطاء الفعلي. كما ينعكس ذلك على سمعة الجهة ويضعف الثقة بإدارتها وقدرتها على استثمار مواردها البشرية.
ولا شك أن الحل لا يكمن في إلغاء دور المستشارين، بل في إعادة توظيفهم بذكاء واستثمار خبراتهم بشكل فعّال. ومن أهم الخطوات في هذا الاتجاه إيجاد آلية تنسيقية بين الجهات الحكومية والجهات الأهلية أو غير الربحية، يتم من خلالها تبادل الخبرات والاستفادة من الكفاءات التي تجاوزت أدوارها الوظيفية التنفيذية، بحيث يُعاد دمجهم في برامج التدريب أو الاستشارات التطويرية في قطاعات أخرى تحتاج إلى خبراتهم. هذه الآلية ستضمن عدم تعطيل الطاقات والخبرات، وتحولها من عبء إداري إلى قيمة وطنية مضافة.
إن المؤسسات الحديثة تُقاس بمدى قدرتها على تحويل الخبرة إلى إنتاج ملموس يسهم في التطوير والتحسين. وعندما يصبح المستشار أداة بناء لا عبئًا تنظيميًا، وعندما تُستثمر الخبرات في التدريب ونقل المعرفة والتعاون بين القطاعات، حينها فقط يمكن القول إننا نمارس الإدارة الحديثة بمعناها الحقيقي.