في إحدى قرى الأحساء، حيث تمتد بساتين النخيل على مدّ النظر، وتفوح رائحة الرطب من بين السعف، كان هناك شاب من أبناء المزارعين عرف بحبّه للأرض وارتباطه بمزرعة والده.في منتصف التسعينيات، عُرضت عليه وظيفة في إحدى الشركات البترولية الكبرى، لكن الراتب لم يكن مغريًا في ذلك الوقت، نظر إلى مدخوله الزراعي المجزي، وابتسم بثقة قائلاً: «لماذا أترك رزقًا وفيرًا من النخيل إلى راتب محدود في مكتب؟»، فاختار البقاء في مزرعته.مرّت السنوات، وتغيّر الزمن، تراجعت الزراعة مع ارتفاع تكاليفها وشحّ المياه، بينما تضاعفت رواتب تلك الشركة، وتوسعت فرصها.أصبح أقرانه الذين التحقوا بها يعيشون استقرارًا ماليًا ورفاهًا واضحًا، فيما بقي هو بين أشجار نخيله يعدّ الأيام ويقيس الغلّة التي لم تعد تكفيه كما كانت.لم تكن مشكلته في اختياره للمزرعة بقدر ما كانت في قصر نظره، لم ينظر إلى المستقبل بعين متسعة، ولم يوازن بين ما هو آنيّ وما هو إستراتيجيّ.كان بإمكانه الجمع بين الاثنين، يداوم في عمله النظامي صباحًا، ويُدير مزرعته عصرًا، فيضمن موردًا ثابتًا ومستقبلًا مستقرًا.إنها القصة التي تتكرر في حياتنا بأشكال مختلفة، كم من شخص يرفض فرصة لأنه يرى فيها تعبًا مؤقتًا أو عائدًا بسيطًا، دون أن يدرك أن الصبر اليوم هو ربح الغد، وأن الأفق الواسع لا يُرى إلا من قمة التفكير البعيد.الرؤية الواسعة ليست تفاؤلًا أعمى، بل هي فن الموازنة بين الحاضر والمستقبل، بين ما هو مضمون الآن وما يمكن أن يتحقق لاحقًا، من لا يزرع رؤية بعيدة، سيحصد الندم قريبًا.