الحقيقة التي يحاول جاهدًا المحب أن يتحاشاها هي أنه فرط في الغالي والثمين لأسباب تافهة، ولربما لو عاد به الزمن لما اتخذ الفراق قرارًا، ولكنه تسرع وفرط، ومع مرور الزمن أحس بالحسرة فجلس ينتظرُ شهر أكتوبر بفارغ الصبر، عل وعسى أن يعيد أكتوبر أواصر المحبة.
وفي أدبنا العربي نسمع بالمثل القائل: «الصيف ضغيتِ اللبن»، وهي ذات العبارة، ولكن باختلاف الفصول والشخصيات، والتوقيت ونوع الرابط، وقصة هذا المثل هي أن امرأة تزوجت رجلاً ثريًا كريمًا وابن عمٍ لها، لكنها لم تكن راضية عنه لطمعها في الزواج بشاب فقير ولكنه أجمل، فطلبت الطلاق، وعندما طلقها وتزوجت الشاب الفقير، أرسلت إليه بعد أن ضاق بها الحال تطلب منه اللبن في برد أكتوبر، فرد عليها بقوله: «الصيف ضيعت اللبن».
وكلا العبارتين فيهما حسرةٌ خفية وندمٌ غير معلن، ولكن العرب بطبيعتهم الخشنة لم يجاملوا، وقالوها صراحة، أما غيرهم من الشعوب فمضى يُمني النفس بعودة الغائب في أكتوبر من باب اللُطف، ولكن الحقيقة المُرّة هي أن أكتوبر سيمضي ولن يعود أحد، ومن فرط في لبن الصيف لن يناله في الشتاء.
الفائدة المرجوة من هذا السرد يا أصدقائي هي أن الشخص يحافظ على علاقاته الطيبة النقية ما استطاع، ومن يبحث عن الكمال لن يجده نهائيًا، ومن يبني علاقاته أو مستقبله على أمل أن يجد الأجمل، بينما هو يتملك الجميل فسيشقى ويخسرهما جميعًا، فحافظوا على الأصيل وستجمله الحياة والمواقف.. قبل النهاية هذا البيت أهديه للعشاق:
شف خلّص أكتوبر وأنا في رجاويك… ولا رجّعك للي يحبك حنينك