وحين تقتحم بيوت العزاء ممارسات بغيضة تستفز صمت الأسى، وتُسبب الأذى، وتصادر تخفيف المُصاب، وتخدش معالم الصواب، فمن واجب المجتمع التصدي لها، وفي مقدمتها ظاهرة التصوير بالهواتف المحمولة، ونشرها على مواقع التواصل، ورفع أصوات البعض بالخطب، «والردايد» الطويلة الخارجة عن المألوف، والجلوس والثرثرة، دون خجل، والتنافس بكثرة أعداد القادمين، فتلك مبالغات يكتنفها الشطط، وتدعو إلى السُخط.
يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: «كلنا مثقوبون بالعيوب، ولولا رداء من الله اسمه الستر لكُسرت أعناقنا من شدة الخجل».
لقد حان الوقت أن تتضافر الجهود للتصدي لكل ما يمس سُنة العزاء من تباهٍ، وكاميرات، وضوضاء، والتنبيه بأهمية التمسك بالعادات المعروفة، والوقوف مع الذين لا تغيب أحزانهم، ولا تتوقف دموع اللوعة تذرف من قلوبهم قبل أعينهم.
ليس العزاء بأيامه الثلاثة موائد غذاء وعشاء، وفي الجانب الآخر موائد النساء المليئة بالأطعمة وما يأتين به من أكلات شعبية ومئات أقراص الخبز والمعجنات وغيرها، وهو إسراف ممقوت يجب منعه.
وقد حذر العلماء وخطباء المساجد من المبالغات في العزاء، واتخذ شيوخ القبائل الكثير من القرارات بمباركة إمارة المنطقة للحد من الإسراف، وكثرة التجمعات وتمديد وقت العزاء لأكثر من أسبوع، ونقله إلى أماكن أُخرى، وكما قالت العرب «العزاء بعد ثلاث تجديد للمصيبة» إلا أن البعض لم يتقيدوا، وكأن الأمر لا يعنيهم.
تقول الطبيبة النفسية السويسرية إليزابيث روس: «إن الحُزن في المآتم له مراحل خمس تبدأ من الإنكار فالغضب ثم المساومة مرورا بالاكتئاب وحتى القبول والرضا».
ومن الطبيعي أن الحُزن يبقى طوقًا على النفوس فترات طويلة يصعب وصفه، فهل راعينا بكل صدق تلك المراحل من الحُزن عند الآخرين؟
وسبحان الله الذي يربط على قلوب المكلومين من عباده بجميل الصبر، ويلهمهم الشكر فله ــ عز وجل ــ ما أخذ وله ما أعطى، وقد قال ابن القيم: مقام الرضا هو أعلى من مقام الصبر، ومقام الشكر أعلى من مقام الرضا.
اللهم اجعلنا من الصابرين الشاكرين، ورقق قلوبنا وارزقنا الصدق في القول والعمل، وجنبنا الكبر والرياء والغفلة، وارحم جميع موتى المسلمين.