 
                 
والقيلولة في معناها العام إستراحة يُغَلفها الهدوء، بعد تعب المسير في دروب الحياة اليومية، باتجاهاتها المتعددة، وشتاء أبها، ومدن المرتفعات لم تعد عناوين أيامه، ولياليه صمت الأماكن، تثاقل الحركة، خفوت الأضواء، تثاؤب الأمسيات، بل أصبحت ثقافة الشتاء حاضرة تطل بفاكهة دفئها، وسناء حميميتها فتجتمع حولها الأُسر، ويلتقي الأصدقاء في مجالس السمر، وينتشي الجميع برائحة المطر، وكما قال الشاعر محمود درويش: «فللحنين فصل مدلل هو الشتاء».
وقد تعددت خيارات الناس وتطورت، بداية من المنازل المزودة بوسائل الراحة -ولله الحمد-، إضافة إلى التسوق في المجمعات التجارية ووجود القرى السياحية والترفيهية، والمطاعم المسارات المفتوحة، الحدائق والمطلات المرتفعة، والمنتديات الثقافية والفنية، التي لا تخلو من النشاطات.
وليس من باب المبالغة القول إن الشتاء في أبها وما حولها له طابعه الخاص، فهو فصل كريم يكشف أسرار منظومة بيئية فريدة متنوعة في غاية الروعة والجمال، يمنح الإنسان فرصة مصافحة غمامة بيضاء حطت على رابية لتوقظها من غفوتها، فصل معطاء يسمح بمشاهدة أغصان أشجار حاسرة تجمدت عليها قطرات الطل كحبات لؤلؤ تبتسم في جبين الصباح.
فيما تلاحق المتنزهين نسمات باردة منعشة محملة بالبهحة والتفاؤل والبشائر بمستقبل طموح تشهده منطقة عسير في عهد الرؤية المباركة.. شتاء أبها يجعلك تُصغي لعزف الرياح وكأنها تُعيد ذكريات أناشيد مواسم الحصاد في الصيف وبهجة الربيع، وتُجبرك الأشجار اللوزية في البساتين على التوقف، وقد ارتدت حُلة قشيبة من زهور رقيقة بيضاء، لتتمعن في صُنع الخالق -عز وجل- وهذا الجمال الأخاذ، في حين يمتد النظر إلى المدرجات والمزارع التي تستعد لزراعة القمح والشعير، وكل ذلك وغيره يأتي عبر رحلة ممتعة، بين السهل، والجبل، وألوان الطبيعة وصفاء اللحظات.
وإذا اشتد البرد في مربعانيته التي لا تطول، فإن أماكن الاستقطاب الشتوي في تهامة وعلى ساحل البحرالأحمر ليست بعيدة، بعد أن ساعدت مشروعات الطرق العملاقة التي نفذتها حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- في سرعة الانتقال خلال دقائق ببن مناخين مختلفين بكل يسر وسهولة، وهناك الكثير من النشاطات المتنوعة التي تجعل من فصل الشتاء جسرًا لكل الفصول على مدار العام، وهذا ما يُعرف بالسياحة المستدامة، ومنافعها الجمة التي لا تخفى على المواطنين.
يقول الدكتور أحمد فؤاد باشا: «يرى بعض العلماء أن التقدير القرآني لقيمة الجمال في الكون يجعل من الاعتداء على البيئة وتوازنها، والنظر البليد إلى الأرض والسماء دون إحساس بالجمال، نوعًا من
المعصية ينبغي لفاعله أن يتوب عنه».